وقد تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان». وتقدم أيضًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان». وفي رواية:«الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان».
قال البغوي في "شرح السنة": قوله: «الرؤيا ثلاثة» فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
وهي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه، وله مكايد يحزن بها بني آدم، ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل. وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر. والعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك. وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة والرعاف والحمرة والرياحين والمزامير والنشاط ونحوها، ومن غلب عليه طبيعة الصفراء يرى النار والشمع والسراج والأشياء الصفر والطيران في الهواء وغيرها، ومن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحوش والأهوال والأموات والقبور والمواضع الخربة وكونه في مضيق لا منفذ له أو تحت ثقل ونحو ذلك، ومن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والأنداء والثلج والجمد والوحل ونحوها فلا تأويل لشيء منها. انتهى.
إذا علم هذا فالكلام في هذا الفصل فيما يجوز تعبيره من الرؤيا وهي الرؤيا الصحيحة التي جاء وصفها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه بأنها رؤيا حق، وجاء وصفها في حديث أبي قتادة رضي الله عنه بأنها الرؤيا الصالحة وأنها من الله، وهذه الرؤيا نوعان. أحدهما: ما هو ظاهر لا يحتاج إلى تأويل. والثاني: ما هو من ضرب الأمثال للنائم، وهذا النوع هو الأكثر