ويعبّر البكاء بالفرح إذا لم يكن رنّة، ويعبّر الضحك بالحزن إلا أن يكون تبسمًا، ويعبّر الطاعون بالحرب والحرب بالطاعون، وتعبّر العجلة في الأمر بالندم والندم بالعجلة، ويعبّر العشق بالجنون والجنون بالعشق، والنكاح بالتجارة والتجارة بالنكاح، ويعبّر التحول عن المنزل بالسفر والسفر بالتحول عن المنزل، والمريض يخرج من منزله ولا يتلكم فهو موته، وإن تكلم برأ. وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي كالغل في النوم مكروه وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر: يصيب سلطانًا فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين قال: رأيت في المنام كأني أؤذن، قال: تحج، وسأله آخر فأول بقطع يده في السرقة فقيل له في التأويلين فقال: رأيت الأول على سيما حسنة فأولت قوله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج: ٢٧]، ولم أرض هيئة الثاني فأوّلت قوله عز وجل:{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف: ٧٠] وقد يرى الرجل في منامه فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية أو حج أو قدوم غائب أو خير أو نكبة فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتح فكان كذلك، قال الله تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}[الفتح: ٢٧] وقد يرى الشيء في المنام للرجل ويكون التأويل لولده أو قريبه أو سميّه فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم مبايعة أبي جهل معه فكان ذلك لابنه عكرمة فلما أسلم قال عليه الصلاة والسلام:«هو هذا»، ورأى لأسيد بن العاص ولاية مكة فكان لابنه عتّاب بن أَسِيد ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، انتهى باختصار.
وليعلم المتسرعون إلى تأويل الرؤيا أن ما ذكر في هذا الفصل من التأويل ليس هو من التوقيف الذي يقطع به في تأويل الأشياء التي ذكرت فيه، وإنما هو من باب التقريب الذي قد يكون التأويل فيه صوابًا وقد يكون غير صواب، وقد تقدم ما ذكره ابن عبد البر عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يسئل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في