وذكر ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس" أن الرشيد رأى رؤيا فهمته فوجه إلى الكرماني بريدًا فلما أتاه ومَثَلَ بين يديه خلا به وقال: بعثت إليك لرؤيا رأيتها، فقال: وما هي قال: رأيت كلبين ينهشان قُبُلَ جارية من جواريّ، فقال له الكرماني: ما رأيت إلا خيرًا يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: قُلْ ما تراه وهات ما عندك؟ فقال له: هذه جارية دعوتها لتجامعها وكان لا عهد لك معها بذلك وكانت ذات شعر فكرهت أن تحلق فتجد أثر الموسى وكرهت أن تبقى على هيئتها فأخذت جَلَمًا (١) فحلقت بعض الشعر وتركت بعضه، فأشار الرشيد إليه بالقعود وقام فدخل إلى نسائه ودعا بتلك الجارية فسارّها مستفهمًا منها عن ذلك فأقرت به وصدقت الكرماني فخرج إليه الرشيد فقال له: أصبت وسررتني وأمر له بصلة سنية، ثم قال له: إياك أن تحدث بها ما كنت حيًا، قال: فوالله ما حدثت بها ما دام الرشيد حيًا.
ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض مؤلفاته. قال: حدثني الفقيه الفاضل تاج الدين الزنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول: رأيت في منامي ابن عربي وابن الفارض وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران ويقولان: كيف الطريق؟ أين الطريق؟. انتهى وهو في (صفحة ٢٤٦) من المجلد الثاني من مجموع الفتاوى.
فصل
في ذكر ما أوّله سعيد بن المسيب من الرؤيا
قال ابن سعد في "الطبقات" قال محمد بن عمر – يعني الواقدي -: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا وكان أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر وأخذته أسماء عن أبيها أبي بكر رضي الله عنه.
فمن تأويله ما تقدم قريبًا أن الحسن بن علي رضي الله عنهما رأى رؤيا وأولها سعيد بن المسيب بحضور أجله.
(١) الجَلَم بفتحتين هو المقراض، قال ابن الأثير: الجَلَم الذي يجز به الشعر والصوف.