الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نصرت بالرعب وأعطيت جوامع الكلام وبينا أنا نائم إذ جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي»، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تنتثلونها، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": قال أهل التعبير: المفتاح مال وعز وسلطان فمن رأى أنه فتح بابًا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس، وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانًا عظيمًا. ونقل عن الخطابي أنه قال: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة. وقال غيره: بل يحمل على أعم من ذلك. قال الحافظ: ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل: المعادن. قلت: وهذا هو المطابق للواقع في زماننا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ في الكلام على قوله، وأنتم تنتثلونها من النثل بالنون والمثلثة أي تستخرجونها تقول: نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. انتهى.
وقد ظهر مصداق حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما في زماننا حيث ظهرت آبار البترول والماء البعيد في أعماق الأرض، وما ظهر أيضًا من معادن الذهب وغير ذلك من خزائن الأرض التي لم يتمكن الناس من الوصول إليها إلا في هذه الأزمان. وأما تأويل بعض العلماء مفاتيح خزائن الأرض بما فتح على أوائل هذه الأمة من خزائن الملوك وكنوزهم ففيه نظر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نص في حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما على خزائن الأرض لا على خزائن الملوك، وخزائن الأرض هي ما أودعه الله فيها من الماء والمعادن السائلة والجامدة، وأما خزائن الملوك فقد جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة باسم الكنوز وأضيفت إلى أهلها لا إلى الأرض كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا