للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقدْ ذكرَ ابْنُ الجوْزِيِّ في تَارِيْخِهِ «المنتظم» (١٨/ ٨ - ٩) في حَوَادِثِ سَنةِ (٥٣٥هـ): أَنَّ رَجُلا ً دَخَلَ بَغْدَادَ، وَأَظهَرَ الزُّهْدَ وَالتَّنَسُّك َ، فقصَدَهُ النّاسُ مِنْ كلِّ جَانِب.

ثمَّ إنَّ رَجُلا ً- مِنْ سَوَادِ بَغْدَادَ - مَاتَ لهُ صَبيٌّ فدَفنهُ، فعلِمَ بهِ هَذَا المتزَهِّدُ: فمَضَى إلىَ قبْرِ ذلِك َ الصَّبيِّ، فنبشَهُ، وَأَخْرَجَ الصَّبيَّ، ثمَّ دَفنهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ لحاجَةٍ في نفسِه!

ثمَّ قالَ لِلنَّاس ِ في بَعْض ِ الأَيامِ: «اعْلمُوْا أَني قدْ رَأَيتُ عُمَرَ بْنَ الخطابِ في المنامِ، وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ، فسَلمْتُ عَليْهمَا وَسَلمُوْا عَليَّ، وَقالا لِيَ: إنَّ في هَذَا الموْضِعِ صَبيًّا مِنْ أَوْلادِ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ عَلِيّ بن ِ أَبي طالِبٍ، وَخطا لِيَ المكان)، ثمَّ أَشَارَ المتزَهِّدُ إلىَ ذلِك َ الموْضِع.

فحَفرُوْا في ذلِك َ المكان ِ، فرَأَوْا الصَّبيَّ - وَهُوَ أَمْرَدُ - فازْدَحَمُوْا عَليْهِ، وَانْصَرَفوْا إليْهِ، فمَنْ وَصَلَ إلىَ قِطعَةٍ مِنْ أَكفانِهِ فكأَنهُ حَازَ الدُّنيَا!

حَتَّى خَرَجَ أَرْبابُ الدَّوْلةِ وَأَهْلُ بَغْدَادَ! وَانقلبَتِ البلدُ! وَوَضَعُوْا عِنْدَ قبْرِهِ دَسَاتِيْجَ مَاءِ الوَرْدِ وَالبخوْر!

وَأَخَذَ جُهّالُ النّاس ِ التُّرَابَ لِلتَّبَرُّكِ! وَازْدَحَمَ النّاسُ عَلى القبْرِ، حَتَّى لمْ يَصِلَ إليْهِ أَحَدٌ مِنْ كثْرَةِ الزِّحَام!

وَجَعَلَ النّاسُ يُقبِّلوْنَ يَدَ ذلِك َ المتزَهِّدِ - وَهُوَ يُظهرُ التَّمنعَ وَالبُكاءَ وَالخشُوْع! - وَالنّاسُ تَارَة ً يَزْدَحِمُوْنَ عَليْهِ، وَتَارَة ً يَزْدَحِمُوْنَ عَلى الميِّت!

<<  <   >  >>