لا لا، أبداً غير صحيح؛ لأن الطبعة التي معك يا شيخ ناصر، الطبعة العامرة الطبعة التركية، وقد زعم طابعها أنه أخذها بحروفها من إرشاد الساري للقسطلاني، ونعلم جميعاً أن إرشاد الساري اهتم بألفاظ الصحيح، واعتنى به عنايةً فائقة، لكن هذه الطبعة مع كونها لا بأس بها في الجملة لكن فيها أخطاء، وفيها سقط بعض الأحاديث، فليست بأجود الطبعات للصحيح، وإن زعم طابعها أنه أخذها من إرشاد الساري بحروفها، فيها سقط أحاديث، وقفنا فيها على سقط أحاديث.
ولم يأتِ التصريح بكيفية تعبده -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أن عائشة -رضي الله عنها- أطلقت على الخلوة بمجردها تعبداً؛ لأن الانعزال عن الناس لا سيما من كان على باطل من جملة العبادة، فلا شك أن مفارقة العصاة عبادة، إذا قصد بهذه المفارقة مفارقة مشاهدة العصاة والمعاصي، بهذه النية تنقلب إلى عبادة، كما أن النوم للتخلص من بعض الأعمال المحرمة والمكروهة يكون عبادة، كما أنه يكون عبادة أيضاً إذا استعين به على طاعة الله -سبحانه وتعالى-، وقيل: يتعبد بالتفكر.
"قبل أن ينزع إلى أهله" ينزع بفتح أوله وكسر الزاي، أي يحن ويشتاق ويرجع "ويتزودُ لذلك" برفع الدال، أي يتخذ الزاد للخلوة، "يتزود لذلك" برفع الدال، لماذا لم نعطفها على ينزع؟ يفسد المعنى، لو قلنا: قبل أن يتزود ما نفع؛ لأن العطف على نية تكرار العامل.
"ثم يرجع إلى خديجة" زوجه وهو تفسيرٌ للأهل السابق الذكر، "فيتزود لمثلها"، أي لمثل الليالي، وفي رجوعه -عليه الصلاة والسلام- دليلٌ على أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السنة، "حتى جاء الحق" وهو الوحي، وفي التفسير "حتى فجئه الحق" أي بغته، "وهو في غار حراء فجاءه الملك" جبريل -عليه السلام- في يوم الاثنين لسبعة عشرة ليلةً خلت من رمضان، وهو ابن أربعين سنة.
"فقال: اقرأ" هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقن بما سيلقى إليه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أمي لا يقرأ ولا يكتب، فكيف يؤمر بالقراءة وهو أمي؟ "اقرأ" إنما أمر ليتنبه ويتيقظ لما سيلقى عليه، ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب كما قال بعض الشراح، وأنه أُمر بالقراءة فعلاً، فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد.