"وكان يخلو بغار حراء" الغار هو النقب في الجبل، وحراء جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى "فيتحنث فيه" بالحاء وآخره مثلثة، يعني ثاء، وهو التعبد، الضمير هو عائدٌ إلى مصدر يتحنث، يعني التحنث التعبد، وهو من الأفعال التي معناها السلب، أي اجتناب فاعلها لمصدرها، مثل (تأثم وتحوب) إذا اجتنب الإثم والحوب، أو هو بمعنى (يتحنف) بالفاء، أي يتبع الحنيفية ملة إبراهيم -عليه السلام-، والفاء تبدل ثاءً، كما يقال في الأجداث: الأجداف، وقد وقع كذلك بالفاء في رواية ابن هشام في السيرة:(يتحنف) وتفسير (التحنث) مدرجٌ من تفسير الزهري أدرجه في الخبر، كما جزم به الطيبي، وإن لم يذكر دليله، نعم في رواية البخاري في كتاب التفسير في صحيحه ما يدل على الإدراج، حيث قال: قال والتحنث التعبد، يعني قال، والخبر مروي عن عائشة، يعني لو كان سياقه سياق الخبر، ما دام غير وقال: قال، ونسبه إلى مذكر فالإدراج يكون من غيرها.
المقدم: وهو ممن يا شيخ؟
من الزهري، الإدراج من الزهري.
"الليالي ذوات العدد" أي مع أيامهن اقتصر عليهن للتغليب، يعني اقتصر على الليالي دون الأيام للتغليب؛ لأنهن أنسب للخلوة، ووصف الليالي بذوات العدد لإرادة التقليل كما في قوله تعالى:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [(٢٠) سورة يوسف] أو للكثرة لاحتياجها للعدد وهو المناسب للمقام، وجاء تحديد المدة بشهر، روى الشيخان:((جاورت بحراء شهراً)) وعند ابن إسحاق أنه شهر رمضان، و (ذواتِ) بالكسر صفةً لليالي، أما ما يزعمه بعضهم من استحباب الخلوة ...
المقدم: عفواً -يا دكتور- في بعض النسخ جاءت:(ذوات العُدد).