للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"ثم حبب إليه الخلاء" الخلاء بالمد مصدر بمعنى الخلوة، أي الاختلاء، وبني حبب بما لم يسم فاعله أي للمجهول لعدم تحقق الباعث على ذلك، وإن كان كلٌ من عند الله -سبحانه وتعالى-، وحببت إليه الخلوة -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن معها يحصل فراغ القلب، والانقطاع عن الخلق؛ ليجد الوحي منه متمكناً كما قيل:

. . . . . . . . . ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا

لا شك أن القلب الخالي يقبل ما يجيئه لأول مرة، وفي ذلك تنبيهٌ على فضل العزلة؛ لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا وتفرغه لله تعالى، والخلوة أن يخلو عن غيره بربه، والعزلة يأتي بيانُ حكمها، وتفصيل ذلك في شرح حديث: ((يوشك خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال)) من كتاب الإيمان -إن شاء الله تعالى-، ولأهمية هذا الموضوع وما جاء فيه من النصوص التي ظاهرها التعارض نقدم للتوفيق لمثل هذه النصوص بكلامٍ مختصر، ونترك التفصيل في مكانه.

العزلة محمودة، جاءت النصوص بمدحها، وجاءت النصوص أيضاً بمدح الخلطة، ومخالطة الناس، والصبر على أذاهم، وشهود الجمع والجماعات، وحضور محافل الناس، وتغيير ما يقع منهم، وتعليم الجاهل، وغير ذلك، فلا شك أن العزلة محمودة بالنسبة لبعض الناس، لا سيما من لا يستطيع أو ليست عنده القدرة على التغيير والتأثير، بل العكس إذا كان ممن يتأثر بغيره، فمثل هذا العزلة في حقه أفضل، بينما بعض الناس الذين لديهم القدرة على التأثير في غيرهم، وهم لا يتأثرون بغيرهم مثل هؤلاء يقال لهم: الخلطة في حقهم أفضل، الذي يستطيع أن يؤثر في الناس، ولا يتأثر هو، هذا يقال له: اختلط بالناس وانفعهم وعلمهم وأرشدهم وأمرهم وانههم، لكن الذي يتأثر ولا يستطيع التأثير مثل هذا يقال له: اعتزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>