وهل يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أبو المؤمنين؟ فيه قولان لأهل العلم، قال العيني:"والأصح الجواز، نص عليه الشافعي وغيره" يعني في الحرمة، ومعنى قوله تعالى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [(٤٠) سورة الأحزاب] يعني لصلبه، وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه لا يقال: أبونا، وإنما يقال: هو كأبينا، لما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)) والحديث مخرج في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجة، وهو حديث بطرقه حسن.
"أول ما بدئ" بضم الموحى وكسر الدال "من الوحي" من هذه تبعيضية، أي من أقسام الوحي، وقال القزاز: ليست الرؤيا من الوحي، فعلى هذا تكون (من) لبيان الجنس، يعني كما في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(٣٠) سورة الحج] "الرؤيا" فعلى كحبلى مصدر رأى، وجمعها رؤى، والفعل رأى له مصادر تبعاً لمعانيه، تبعاً لمعاني الفعل، فتقول: رأى رؤيا، ورأى رؤيةً يعني ببصره، ورأى رأياً يعني بعقله.
"الصالحة" وفي التعبير يعني في كتاب التعبير من صحيح البخاري: "الصادقة" وهي التي ليست فيها ضغث، "في النوم" ذكر هذا لمجرد زيادة الإيضاح والبيان؛ لأن الرؤيا لا تكون إلا في النوم، فهو تصريح لما هو مجرد توضيح، أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين، فهي صفةٌ موضحة، أو لأن غيرها يسمى حلماً، وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر فيما حكاه البيهقي وغيره، وحينئذٍ يكون ابتداء النبوة بالرؤيا حصل في شهر ربيع، وهو شهر مولده -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا يعلم كونها جزءً من ستة وأربعين جزءً من النبوة، إذا كان مدة الرؤيا ستة أشهر، ومدة النبوة ثلاثٌ وعشرين سنة، الستة الأشهر نصف سنة، والثلاث والعشرين سنة ستة وأربعة نصف، فتكون الرؤيا جزءً من ستة وأربعين جزءً.
"فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" كرؤياه دخول المسجد الحرام، ووجه الشبه بين الرؤيا وفلق الصبح الوضوح، والفلق هو ضياء الصبح، و (مثل) نصب بمصدر محذوف أي إلا جاءت مجيئاً مثل فلق الصبح، أو نصبت على الحال والتقدير مشبهةً ضياء الصبح.