فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث: عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت:"أول ما بدئ به -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح".
هذا الحديث ترويه عائشة -رضي الله عنها- في قصةٍ حصلت قبل أن تولد، فيحتمل أنه من مراسيل الصحابة؛ لأن عائشة لم تدرك هذه القصة، ومراسيل الصحابة حجة كما تقدم عند جماهير أهل العلم خلافاً لأبي إسحاق الإسفرائيني، لكن الظاهر أن عائشة -رضي الله عنها- سمعت ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقولها فيه: قال: ((فغطني)) فيكون قولها: أول ما بدئ به حكاية ما تلفظ به النبي -صلى الله عليه وسلم- وحينئذٍ فيكون الحديث موصولاً ولا يكون من المراسيل، ومناسبة الحديث لبدء الوحي ظاهرة جداً: أول ما بدئ به، والباب باب بدء الوحي.
وقوله في إسناد الحديث عن البخاري عن عائشة أم المؤمنين، هذا مأخوذ من قوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [(٦) سورة الأحزاب] أي في الاحترام، وتحريم النكاح، لا في غير ذلك مما اختلف فيه، يعني من الخلوة والسفر ونكاح البنات، وما أشبه ذلك، قال ابن حجر:"وإنما قيل للواحدة: أم المؤمنين للتغليب، وإلا فلا مانع من أن يقال لها: أم المؤمنات على الراجح" يعني كما يقال: أمير المؤمنين أي والمؤمنات، وقال العيني:"وهل يقال عنهن: أمهات المؤمنين؟ فيه خلاف، والأصح أنه لا يقال، بناءً على الأصح أنهن لا يدخلن في خطاب الرجال، وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أنا أم رجالكم لا أم نسائكم" وقال ابن كثير: "هذا أصح الوجهين" والخبر صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره، والعيني في عمدة القاري.