((ما أنا بقارئ)) وفي رواية: ((ما أحسن أن أقرأ)) وفي رواية: ((ماذا أقرأ؟ ))، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((فأخذني)) يعني جبريل -عليه السلام-، ((فغطني)) أي ضمني وعصرني، وعند الطبري:((فغتني)) بالتاء، والغت حبس النفس، ((حتى بلغ مني الجهد)) بفتح الجيم ونصب الدال، أي بلغ الغط مني غاية وسعي، وروي بالضم والرفع أي: بلغ مني الجُهدُ مبلغه، ((ثم أرسلني)) أي أطلقني، ((فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني)) وهكذا مرتين، ثم الثالثة (فغطني) الثالثة، وفائدة هذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا، ويقبل بكليته إلى ما يلقى إليه، وكرره للمبالغة، واستدل به بعضهم على أن المؤدِب لا يضرب المؤدَب أكثر من ثلاث ضربات، لكن هل هذا الغط للتأديب ليتم الاستدلال، أو هو لمجرد التنبيه والتوقف؟ للتنبيه وليس للتأديب، ((ثم أرسلني، فقال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(١) سورة العلق] في هذا دليلٌ على أن أول ما نزل من القرآن هذه السورة سورة اقرأ، أو الخمس الآيات الأولى منها إلى قوله:{مَا لَمْ يَعْلَمْ} [(٥) سورة العلق] في الصحيحين في البخاري ومسلم عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل؟ قال:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [(١) سورة المدثر] فقلت: أو (اقرأ)؟ فقال: سألتُ جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل؟ قال:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فقلت: أو (اقرأ)؟ قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((جاورت بحراء شهراً، فلما قضيتُ جواري خبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أرَ شيئاً، ونظرت أمامي فلم أرَ شيئاً، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً، فأتيت خديجة فقلت: دثروني، وصبوا عليَّ ماءً بارداً، قال: فدثروني فصبوا علي ماءً بارداً، قال: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [(١ - ٣) سورة المدثر] استدل به يحيى بن أبي كثير وجابر على أن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أول ما نزل من القرآن، وحديث الباب صريحٌ على أن أول ما نزل (اقرأ).