مثل الآية ومثل قول أبي علي، مفهوم على مقتضى كلام شيخ الإسلام أن يكون أبا ذر أصدق العالم أجمع، جميع من وطئ على وجه الأرض أبو ذر أصدق منه، لكن هذا غير مراد بلا شك إذ الأنبياء أصدق، الصديق أصدق، يعني أثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت له الصديق، وسمي الصديق، واستحق هذا الوصف الذي هو وصف المبالغة لما اتصف به من هذا الوصف، لكن لعل الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات الصدق لأبي ذر، ولم تقصد حقيقة هذه المبالغة.
بالنسبة لعناية الأمة بالصحيح الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله -سبحانه وتعالى-، فلم يحظى كتابٌ من كتب الحديث بعناية الأمة مثل ما حظي بذلك هذا الكتاب للإمام البخاري -رحمه الله-، فقد عني به علماء الأمة شرحاً له واستنباطاً وبياناً لمشكليه وإعرابه، وكلاماً على رجاله وتعاليقه، وقد تكاثرت شروحه حتى خال صاحب كشف الظنون إنها تنيف على ثمانين شرحاً، وذلك عدا ما ألف بعده، ودون ما لم يقف عليه من الشروح الكاملة والناقصة.
من أهم شروح الجامع الصحيح شرح الخطابي المسمى (أعلام الحديث) وشرح ابن بطال، وشرح الكرماني (الكواكب الدراري) وشرح الحافظ ابن رجب اسمه (فتح الباري) و (فتح الباري) للحافظ ابن حجر، و (عمدة القاري) للعيني، و (إرشاد الساري) للقسطلاني، وكلها مطبوعة، وهناك الشروح الكثيرة المخطوطة، وهناك أيضاً شروح المعاصرين مثل:(فيض الباري) لمحمد أنور الكشميري، وهناك (لامع الدراري) وغيرها من الشروح التي تفوق الحصر.
المقدم: القديمة مكتملة فضيلة الدكتور؟
هذه التي ذكرناها كلها مكتملة سوى شرح ابن رجب إلى الجنائز، وهو كتابٌ نفيس.
المقدم: نفس المسمى؟
نفس المسمى، اسمه (فتح الباري) وكتاب ابن حجر اسمه (فتح الباري) وقد اطلع عليه ابن حجر، ونقل منه في موضعين في الفتح، ونص عليه، ونص على أنه قال ابن رجب في شرح البخاري.
المقدم: والنفيس منهما تقول: فتح الباري لابن رجب؟
ابن رجب شرحٌ نفيس لو كان كاملاً لما عدل به غيره، لكن الكتاب ناقص والأمر يومئذٍ لله، وفتح الباري لابن حجر أيضاً كتابٌ لا يستغني عنه طالب علم، وإرشاد الساري للقسطلاني لا يستغني عنه من أراد ضبط ألفاظ الصحيح في متونه وأسانيده.