للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- كغيره من الأئمة المجتهدين ممن جمع بين الحديث والاستنباط، مثل مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم، ولا يختلف معهم في المصادر، بل الجميع عمدتهم في الاستنباط الكتاب والسنة والإجماع والقياس عند الحاجة إليه، إلا أنه يختلف عنهم من حيث طريقة تدوين الأحكام، فلم ينهج نهجهم في فرز الأحكام عن أصولها؛ ولكنه يترجم بها للحديث، ولذا قال جمعٌ من الحفاظ: "فقه البخاري في تراجمه" وسوف أولي هذا الجانب عناية تليق بمقام هذا الإمام أثناء شرح الكتاب، فأذكر تراجمه على حديث الواحد في المواضع المختلفة من صحيحه، وأربط بين الحديث وهذه التراجم، ليتضح للسامع مدى دقة هذا الإمام في الاستنباط، وأنه إمامٌ مجتهد إضافة إلى كونه شيخ الصناعة الحديثية وإمام المحدثين.

ومما يجدر التنبيه عليه أن أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة تنازعوا في نسبة الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- إلى مذاهبهم، فترجم -رحمه الله- في طبقات الشافعية بدعوى أنه منهم، كما ترجم في طبقات الحنابلة، والمترجم يزعم أنه حنبلي، وزعم المالكية أنه مالكي، وادعى الحنفية أنه حنفي، وهذه الأقوال لا ثبات لها، يشير إلى ضعفها تعارضها، ولا شك أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- إمامٌ مجتهد، من سبر كتابه وطريقته في استنباط الأحكام من الأحاديث، وقارن أقواله بأقوال الأئمة المجتهدين وجد أنه يخالفهم، فتجده مرةً يوافق الإمام أبا حنيفة، ومرةً يوافق الإمام مالك، ومرةً يوافق الشافعي، ومرةً يوافق الإمام أحمد وإسحاق وهكذا، المقصود أنه مجتهد مطلق، وليس له مذهب يتبعه -رحمه الله تعالى-.

<<  <  ج: ص:  >  >>