يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- المختصِر:"وعنه" جرت عادة المتأخرين من المصنفين بالحديث الذين يصنفون المختصرات في الحديث للحفظ أن يقتصروا على القدر المحتاج إليه، فتجدهم يحذفون الأسانيد ويقتصرون على الصحابي فقط، أو على التابعي معه إن دعت الحاجة إلى ذكره، كما جرت عادتهم التكنية عن الراوي بالضمير إذا كان هو راوي الحديث السابق، فيصرحون بذكره في الموضع الأول ثم يعطفون الثاني بالضمير فيقولون: وعنه، وإن كان هذا يرد على ما التزمه المؤلف في خطبة الكتاب من أنه يلتزم كثيراً ألفاظه في الغالب –يعني ألفاظ البخاري -رحمه الله تعالى- كان يقول البخاري: عن عائشة، أو يقول: عن ابن عباس أو يقول: عن عبد الله بن عباس وكذلك ابن عمر وحيناً يقول: عن أنس، وحيناً يقول: عن أنس بن مالك، يقول:"فأتبعه في جميع ذلك"، وقد كرر ذكر عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الثالث وكناها بأم المؤمنين رغم أنها تقدمت في الحديث الثاني أيضاً، ولعل ما هنا من غير الغالب الذي أشار إليه بقوله:"في الغالب"؛ لأنه يتبع لفظ البخاري -رحمه الله تعالى- في الغالب، فلعل ما هنا جرياً على العادة ومشياً على الجادة في المختصرات، وهذا هو غير الغالب، وأما الغالب أنه يتبع لفظ البخاري بالحرف.
والضمير المجرور يعود على ابن عباس راوي الحديث السابق، والواو في قوله:"وعنه"، عاطفة تعطف مقدر، أي وأروي أيضاً عنه –أي عن ابن عباس- "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس" بنصب أجود خبر كان، أي أجودهم على الإطلاق، "وكان أجودُ ما يكون -حال كونه- في رمضان"، برفع أجود اسم كان وخبرها محذوف وجوباً على حد قولك: أخطبُ ما يكون الأمير قائماً، و (ما) مصدرية أي أجود أكوان الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفيها مظان سد مسد الخبر أي حاصلاً فيه، وفي رواية الأصيلي:(أجودَ) بالنصب خبر كان وعورض بأنه يلزم منه أن يكون اسمها خبرها، وأجيب بجعل اسم كان ضمير للنبي -عليه الصلاة والسلام- و (ما) حينئذٍ مصدرية ظرفية والتقدير: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متصفاً بالأجودية مدة كونه في رمضان، مع أنه أجود الناس مطلقاً -عليه الصلاة والسلام-.