والمدارسة مفاعلة من الدرس وهو القراءة على سرعة، يقول تعالى:{وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [(٧٩) سورة آل عمران] وقال: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} [(١٦٩) سورة الأعراف] {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} [(١٠٥) سورة الأنعام] أي قرأت فالمدارسة هي القراءة، وهاهنا لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وجبريل -عليه السلام- يتناوبان في قراءة القرآن كما هو عادة القراء بأن يقرأ هذا عشراً والآخر عشراً أتى بلفظ المدارسة يعني المفاعلة، أو أنهما كانا يتشاركان في القراءة أي يقرءان معاً، وقد علم أن باب المفاعلة لمشاركة اثنين، نحو (ضارت زيداً) و (خاصمت عمراً) يقول القسطلاني: "وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتم الرسوخ، فلا ينساه وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله -عليه الصلاة والسلام- حيث قال له:{سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [(٦) سورة الأعلى] وقال الطيبي: "فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي، فضل أولاً جوده مطلقاً على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانياً جود كونه في رمضان على جوده في سائر الأوقات، ثم فضل ثالثاً جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقاً، ثم شبه جوده بالريح، فقال: فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"، فلرسول الله (والفاء) للسببية، واللام للابتداء، وزيدت للتأكيد، أو في جواب قسمٍ مقدر، فلرسول الله بالرفع مبتدأ خبره قوله: "أجود بالخير من الريح المرسلة" أي المطلقة، إشارةً إلى أنه في الإسراع أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارةً إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده -عليه الصلاة والسلام- كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وقال الزين بن المنير: "