قد يقول قائل: ما المناسبة بين هذا الحديث وبدء الوحي؟ للإشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، ابتداء النزول، وهو ابتداء الوحي، يقول النووي:"في حديث الفوائد: منها: الحث على الجود في كل وقت، ومنها: الزيادة في الجود في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح"، الحث على الجود في كل وقت، الجود صفة من الصفات المحمودة الذي هو الكرم، الكرم من الصفات المحمودة في الشرع وفي العقل وفي العرف، وكان العرب يتمدحون بالجود والكرم؛ لكن شريطة أن لا يخرج عن حده إلى حد الإسراف والتبذير، يقول:"ومنها الزيادة في الجود في رمضان" لأنه شهر تضاعف فيه الحسنات والأعمال، فينبغي أن يكون هذا الخلق الحسن مضاعفاً ليضاعف ثوابه، وعند الاجتماع بأهل الصلاح. يقول:"وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه".
لا شك أن المجالسة لها أثر، أثر على النفس، وكم من شخص أثر في الناس بمرآه فقط قبل أن يتكلم، وكثير من أهل العلم إذا ترجموا لشيوخهم يذكرون شيئاً من ذلك، وأنهم يستفيدون من رؤية الشيخ أكثر من علمه، وذكر ابن الجوزي في ترجمة شيخه -أحد شيوخه- في فهرسته أنه استفاد من بكائه أكثر من فائدته في علمه، ولا شك أن مثل هذا مؤثر، مؤثر جداً، رؤية الشيخ العامل بعلمه، الداعي إلى علمه، المعلم، معلم الناس الخير لا شك أنه مؤثر، قد لا يتيسر لكثيرٍ من الناس زيارة مثل هؤلاء، إن تيسر فليحرص على ذلك، إن لم يتيسر فليقرأ في أخبارهم، أخبار هؤلاء الأخيار وهؤلاء الصلحاء، وعلى رأسهم مقدمهم -عليه الصلاة والسلام-، فليدم النظر طالب العلم في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، ويسمعها غيره من عامة الناس لكي يقتدوا به ويأتسوا به، من ذلكم سير الصالحين من الصحابة والتابعين، لا شك أن لها أثراً كبيراً في نفوس الناس، وفيها أيضاً شحذ الهمم من حيث الاقتداء والائتساء بهم.