يبلغ صوت ابن عباس، ثم قال هرقل للترجمان، يعني الأصل في الترجمان أنه يحول من لغة إلى لغة، لكن قد تطلق الترجمة بإزاء التبليغ، وإن كانت اللغة واحدةً، ثم قال هرقل للترجمان: قل لهم أيكم أقرب؟ فقال الترجمان:"أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل؟ " ضمن أقرب معنى أقعد فعداه بالباء، وفي رواية:"من هذا الرجل" على الأصل، وفي رواية:"إلى هذا الرجل" ولا إشكال فيها فإن أقرب يتعدى بـ (إلى) كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [(١٦) سورة ق] "أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل؟ " أقرب مضمن معنى أقعد به، وألصق به، لماذا لا نقول: أن الباء هنا بمعنى من؟ والحروف يأتي بعضها بدل بعض، كما يقولون: الحروف تتقارض، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرى أنه إذا أمكن تضمين الفعل فهو أولى من تضمين الحرف، تضمين الفعل معنى فعل آخر يناسب الحرف المذكور في السياق يتعدى بالحرف المذكور فلا شك أنه أولى من تضمين الحرف.
وعلى كل حال جاء قوله:"أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل"، وجاء أيضاً في رواية:"من هذا الرجل" على الأصل في رواية: "إلى هذا الرجل"، ومعروف أن الأقرب يتعدى بإلى كما في قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [(٨٥) سورة الواقعة] والمفضل عليه محذوف تقديره من غيره، "الذي يزعم"، وفي روايةٍ:"يدعي أنه نبي" والذي يزعم لا شك أن مثل هذا الأسلوب يؤتى به أحياناً للتشكيك في الدعوة، وقد يؤتى به بإزاء القول، بحيث لا يتضمن التشكيك، وجاء (زعم) ويراد به قال، وكثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، ولا يعني هذا أنه يشكك في كلامه، في روايةٍ:"يدعي"، الادعاء لا شك أنه تشكيك في الدعوة، "أنه نبي، فقال أبو سفيان قلت: أنا أقربهم نسباً" أي من حيث النسب، وذلك لكونه من بني عبد مناف، وهو الأب الرابع للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأبي سفيان، وخصّ هرقل الأقرب لكونه أحرى بالإطلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره؛ ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، الأقرب لا يمكن أن يقدح في نسب قريبه لأن القدح يتجه إليه.