للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفنا أن هذا الكتاب مختصر من صحيح البخاري، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لم يفتتح كتابه بخطبة تنبيء عن مقصوده مفتتحةً بالحمدِ والشهادة، واعتُذر له بأن الخطبة لا يتحتم فيها سياقٌ واحد يمتنع العدول عنه، بل الغرض منها الافتتاح بما يدل على المقصود، وقد صدّر كتابه بترجمة بدء الوحي، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائرٌ مع النية، وأما الحديث المشهور: ((كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع)) وحديث: ((كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء)) خرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة، فالحديثان ليسا على شرط الإمام البخاري، فلا يلزمه العمل بهما؛ لأنهما ليسا على شرطه، ولعل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حمد وتشهد نطقاً عند وضع الكتاب ولم يكتب ذلك اقتصاراً واقتصر على البسملة.

ويؤيد ذلك وقوع كتب رسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك كتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلةٍ وغيرها، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وستأتي -إن شاء الله تعالى-، وهذا يشعر بأن الحمد والشهادة إنما يحتاج إليهما في الخطب دون الرسائل، فكأن المصنف لما لم يفتتح كتابه بخطبة أجراه مجرى الرسائل إلى أهل العلم، والاقتصار على البسملة طريقة متبعة وجادة مسلوكة عند شيوخ الإمام البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره، كمالك وعبد الرزاق وأحمد وأبي داود وغيرهم -رحمهم الله تعالى-، ويندر من وجد منهم في ذلك العصر ممن افتتح كتابه بخطبةٍ كمسلم -رحمه الله تعالى-.

أما الجادة المسلوكة فهي عدم ذكر هذه الخطب التي يبين فيها المناهج، مناهج الكتب، هذه طريقة المتقدمين من أهل العلم طبقة البخاري وشيوخه وشيوخ شيوخه، وأما المختصِر فجرى على عادة أهل عصره، ومن تقدم من ذكر خطبةٍ يبين فيها السبب الباعث على التأليف، ومنهجه في الاختصار، وسنده إلى مؤلف الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>