مجرد التصديق يقول: كمل إيمانه، وفتنة الأزارقة يعظمون الأمر والنهي، بل إنهم خرجوا عن الوسطية لغلوهم في هذا الباب، ويقول الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء، وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء، وعرفنا سبب هذا، وقال شريك القاضي: هم أخبث قوم يكذبون على الله، وقال سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري، ثوب رقيق، بمجرد التصديق يكفي وإقرار به، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه، باب من قال: إن الإيمان هو العمل؛ لقوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٧٢) سورة الزخرف] باب من قال: إن الإيمان هو العمل، واستدل بقوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٧٢) سورة الزخرف] وقال عدة من أهل العلم في قوله -عز وجل-: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(٩٢ - ٩٣) سورة الحجر] عن قول: لا إله إلا الله، قال ابن رجب في شرح البخاري: مقصود البخاري بهذا الباب أن الإيمان كله عمل مناقضة لقول من قال: إن الإيمان ليس فيه عمل بالكلية، فإن الإيمان أصله تصديق بالقلب، وقد سبق ما قرره البخاري أن تصديق القلب كسب له وعمل، ويتبع هذا التصديق قول اللسان، ومقصود البخاري هنا أن يسمى عملاً أيضاً، وأما أعمال الجوارح فلا ريب في دخولها في اسم العمل -يقول ابن رجب-: وأما أعمال الجوارح فلا ريب في دخولها في اسم العمل، ولا حاجة إلى تقرير ذلك، فإنه لا يخالف فيه أحد، فصار الإيمان كله على ما قرره عملاً.
بقي عندنا مسألة وهي ما معنى كون الأعمال شرط؟ هل نقول: إنه شرط صحة، فيخشى من هذا ما يخشى من موافقة الخوارج؟ أو نقول: هو شرط كمال كما قال ابن حجر؟ يقول ابن حجر: الفرق بين المعتزلة والسلف أن المعتزلة جعلوا الأعمال شرطاً في صحة الإيمان، والسلف جعلوها شرطاً في كماله، المعتزلة جعلوا الأعمال شرط في صحة الإيمان، ولذا يرتفع بارتفاعها أو شيء منها.