يقول الخطابي: هذه منحصرة في علم الله وعلم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، موجودة في الشريعة على أن الشرع لم يوقفنا عليها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كلفنا به، فما أمرنا بالعمل به عملنا، وما نهانا عنه انتهينا، وإن لم نحط بحصر أعداده، نعم اعملوا وكل عمل أجره مثبت موفور لصاحبه، ما لم يخدشه برياء أو غيره، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، لسنا بحاجة إلى مثل تتبع هذه الأشياء.
زاد مسلم في روايته:((أعلاها لا إله إلا الله، وأدنها إماطة الأذى عن الطريق)) قال ابن حجر: وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة، لا شك أنها متفاوتة، أين قول: لا إله إلا الله أول واجب على المكلف، الكلمة التي يدخل به المرء الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وبين إماطة الأذى عن الطريق؟! يجد المسلم ما يؤذي المارة فينحينه عن الطريق، لا شك أن هذه من شعب الإيمان، لكن أين هذا من قول: لا إله إلا الله؟ يقول ابن حبان: والدليل على أن الإيمان أجزاء وشعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خبر عبد الله بن دينار:((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)) فذكر جزءً من أجزاء شعبه، هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: وإن رسول الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة، واقتصر على ذكر جزء واحد منها، حيث قال:((أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)) فدل على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال:((وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) فذكر جزء من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة، وكل جزء من أجزاء الشعب التي بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هم من أعلى الإيمان وأدناها كله من الإيمان، فذكر الأعلى والأدنى وسكت عن ما بين الأعلى والأدنى.