ومن ذلك حديث أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني، فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [(١٠٥) سورة المائدة]، قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:((بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، ودنياً مؤثرة وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل القبض على الجمر)) يعني الصبر على الدين, القبض على الدين والصبر عليه مثل القبض على الجمر ((للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاًٌ يعملون مثل عمله)) وزاد غيري، قال:"يا رسول الله: أجرٌ خمسين منهم؟ " قال: ((أجر خمسين منكم)) يعني من الصحابة، هل يعني هذا أن هذا المتأخر الذي صبر وقبض على دينه أفضل من الصحابة؟! وإسناده لا بأس به.
في هذا يقول العلامة ابن القيم في نونيته، يقول:
هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمانِ
أجرٌ عظيمٌ ليس يقدر قدره ... إلا الذي أعطاه للإنسانِ
فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضاً أحمد الشيباني
أثراً تضمن أجر خمسين امرئٍ ... من صحب أحمد خيرة الرحمن
إسناده حسنٌ ومصداقٌ له ... في مسلم فافهمه فهم بيانِ
إن العبادة وقت هرج هجرة ... حقاً إليّ وذاك ذو برهانِ
يعني كون الإنسان يستمسك بدينه في مثل الظروف التي تكثر فيها الفتن، ويقل فيها الموافق والمعين له أجر خمسين، وخمسين من الصحابة، ولكن هل معنى هذا أنه يفضل أحداً من الصحابة من كل وجه؟ أبداً، شرف الصحبة والثواب المرتب عليها لا يدركه أحدٌ ممن جاء بعد الصحابة، يعني شرف الصحبة بمفرده لا يدركه أحد، كما جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) متفق عليه. هذا ظاهر، يعني التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل المطلق.