المقصود أن المتفق عليه عند أهل العلم أن المتفق عليه بين الشيخين مقدم على ما يتفرد به البخاري، وما يتفرد به البخاري مقدم على ما يتفرد به مسلم، فإذا طبقنا هذه القاعدة اتجه لنا صنيع الإمام البخاري بتقديم الحج على الصيام؛ لأن تقديم الحج على الصيام متفق عليه، بينما تقديم الصيام على الحج من أفراد مسلم، يعني لو طبقنا هذه القاعدة لصوبنا صنيع الإمام البخاري، لكن أهل العلم عندهم أيضاً مخرج من مثل هذا، يقولون: قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، مثال ذلك حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مخرج في مسلم، مع أن حديث ابن مسعود وحديث أسامة وأحاديث أخرى في الصحيحين، وفي البخاري أيضاً، بعضها من مفردات البخاري، وبعضها متفق عليه، وفي حديث جابر: صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وفي غيره ما يدل على أذانين وإقامتين، وبصيغ أخرى، فقدم حديث جابر على غيره.
المقدم: لأنه.
عرض له ما يجعله فائقاً؛ لأن جابر -رضي الله تعالى عنه- بالنسبة لحجة الوداع ضبطها وأتقنها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى أن رجع إلى بيته، نعم، فبينما غيره من الصحابة ضبط شيئاً، وغاب عنه أشياء، فقدم حديثه هذا من أجل أن ننظر لما معنا، فأهل العلم ليس من فراغ أن يقدموا الصوم على الحج، مع أن هذا متفق عليه، وذاك من أفراد مسلم؛ لأنه يعرض للمفوق –المرجوح- ما يجعله فائقاً، يعني راجحاً، نعم.
يقول ابن حجر: في هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، يعني إنكار ابن عمر على المستدرِك حينما قال له: والحج وصيام رمضان، قال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، ابن حجر يقول: هذا الاستدراك يدل على أن رواية البخاري مروية بالمعنى، وأن الصواب تقديم الصيام على الحج.
مروية بالمعنى إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر، حنظلة ما سمع رد ابن عمر على المستدرِك، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه.