"إنما" أداة حصر، وإفادتها للحصر بالمنطوق وضعاً حقيقياً خلافاً لمن زعم أنها تفيده بالمفهوم عرفاً لا وضعاً مجازاً لا حقيقة، وهي بمثابة الاستثناء بعد النفي كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٧) سورة التحريم] وقوله: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٣٩) سورة الصافات]، فكون الآية جاءت مرةً {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٧) سورة التحريم]، ومرةً {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(٣٩) سورة الصافات]، دلَّ على أن:"إنما" بمثابة ما وإلا، وكقوله:{فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [(١٢) سورة التغابن]، مع قوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [(١٨) سورة العنكبوت]، فهي مثل ما وإلا، مثل الإثبات بعد النفي سواءٌ بسواء.
ويستفاد الحصر أيضاً من جهة ثانية في الخبر، وهي تعريف جزئي الجملة ((إنما الأعمال بالنيات)) فـ (أل) في الأعمال للاستغراق، أي جميع الأعمال بالنيات، وهو من مقابلة الجمع بالجمع، الأعمال والنيات، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، أي كل عمل بنية كل عمل لا بد له من نية، كما في قولهم: ركب القوم دوابهم، المقصود أن جميع القوم ركبوا دابة واحدة، أو ركبوها على التعاقب ركب واحدة ثم ركبوا واحدة، لا، كل واحد ركب واحدة، وهذا ما يقتضيه مقابلة الجمع بالجمع.
و"الأعمال" أي جميع الأعمال البدنية، قليلها وكثيرها، فرضها ونفلها، الصادرة من المكلفين صحيحة أو مجزئة إذا كانت مصاحبة للنيات، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح البخاري: الفعلُ من الناس من يقوله مرادفٌ للعمل، ومنهم من يقوله: وهو أعم من العمل، فمن هؤلاء من قال: الفعل يدخل فيه القول وعمل الجوارح، والعمل لا يدخل فيه القول عند الإطلاق، ويشهد لهذا قول عبيد بن عمير:"ليس الإيمان بالتمني ولكن الإيمان قولٌ يفعل وعملٌ يعمل"، يعني القول يدخل في الفعل ولا يدخل في العمل على هذا، خرجه الخلال.