فسمَّى قعودهم وتركهم العمل مشاركة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عملاً مضللاً، لكن قد يورد على هذا الصيام وهو ترك المفطرات، ترك المفطرات الصيام بهذا الاعتبار ترك، فكيف تشترط له النية؟ الصيام تركٌ للمفطرات إمساكٌ عن هذه المفطرات الأكل والشرب والجماع، ولا بد له من نية؛ لأنه عبادة، فيشكل على قولهم: أن التروك لا تحتاج إلى نية؛ لأنها ليست بعمل، والصيام وأنه يشترط له النية، ولا صيام لمن لم يبيت النية من الليل كما هو معروف، وهذا في صيام الفرض، أما في صيام النفل فإنه يجزئ ولو كانت من نهار، وعلى كل حال الترك والعزم على عدم الفعل فعل، ولو لم يكن إلا فعل القلب، ولذا يؤجر من ترك المعاصي قصداً، أما من تركها لأنها لم تخطر على باله فإنه لا يؤجر على ذلك، أما من خطرت على باله المعصية وتركها فإنه يؤجر على تركها بلا نزاع، فقولهم بأن التروك ليست بعمل فلا تحتاج إلى نية فلا تدخل في الحديث هذا ليس على إطلاقه، لكن من قصد ترك المعصية بعد أن خطرت على باله، أو قصد فعل الطاعة فإنه يؤجر على هذا القصد.
وأما النية وهي عمل القلب فلا يتناولها الحديث، النية عمل، عمل القلب لا يتناولها الحديث لماذا؟ الأصل أنها ما دامت عمل يعني تناولها الحديث، لكن الحديث لا يتناول النية؛ لئلا يلزم التسلسل؛ لأن النية إذا احتاجت إلى نية فالنية التي قبلها تحتاج إلى نية، والنية التي قبلها تحتاج إلى نية وهكذا، وهذا ما يسمى بالتسلسل في الماضي، فيمنعه كثيرٌ من أهل العلم، لكن التسلسل في المستقبل لا إشكال فيه وصحيح، ولذا الشكر نعمة يحتاج إلى شكر، والشكر الثاني نعمة يحتاج إلى شكر وهكذا، ولذا لم يمنعوا تسلسل الشكر بخلاف تسلسل النية.
طالب: الإمام أحمد قوله لما قال: بأن العمل هو القول أو القول هو العمل، هذا قول المرجئة، هل يمكن أن نقول أو نوضح كلام أحمد أن مقصود الإمام أحمد بأن القول هو العمل أو العمل هو القول أو المرجئة إذا قصروه على ذلك ولم يدخلوا فيه أعمال الجوارح؛ لأنه أشكل على بعض الناس؛ لأن أهل السنة يقولون أيضاً القول هو من العمل كما قرر أبو عبيد وغيره في كتاب الإيمان؟