للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- هو بصدد الرد على المرجئة، وتشديده في هذه المسألة للرد على هذه الفرقة المبتدعة الذين يقصرون تفسير العمل بالقول، وأن العمل لا يشمل إلا عمل اللسان فقط، والإمام -رحمه الله تعالى- حينما ينفي هذا لا يريد أن القول لا يدخل في مسمى العمل، وإنما ينكر على هذه الفرقة جعل العمل بإزاء القول تماماً، بحيث لا يشمل العمل أموراً أخرى من أعمال الجوارح غير اللسان، وإلا معروف عند أهل العلم قاطبة أن حركة اللسان عمل، واللسان جزء من البدن، وأيضاً عمل اليدين عمل، عمل الرجلين عمل، وعمل سائر الجوارح عمل، وعمل القلب عمل؛ لأنه جزءٌ من الإنسان وجزءٌ من البدن، فالعمل أشمل من القول، وأشمل من عمل القلب، وأشمل من عمل الجوارح، بحيث يضمها كلها.

المقدم: أحسن الله إليكم، أيضاً في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) ونحن نقول: إن القلب له عمل، هل المقصود بهذا قصر هذا الأمر على عمل الجوارح وما ينتج من القول، وبالتالي لا يدخل فيه عمل القلب؟

القصد له مراتب، ومن هذه المراتب: الخاطر، والهاجس، وحديث النفس، والهم، والعزم، هذه مراتب متفاوتة، فالهاجس لا مؤاخذة فيه إجماعاً، ومثله خاطر وحديث النفس الذي يرتدد ما لم يترتب عليه أثر وعمل، الهاجس الذي يطرأ على الإنسان ويزول، والخاطر الذي يرتدد ثم يزول، وحديث النفس الذي يرتدد في القلب أكثر، هذا كله لا أثر له إلا إذا ترتب عليه عمل من كلام أو فعل بالجوارح، إذا ترتب عليه أخذ به، وأما بالنسبة للهم والعزم ففيهما الأخذ والمؤاخذة؛ لأن المراتب هذه متفاوتة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يهم بالتحريق استدل به أهل العلم على تحريم التخلف عن صلاة الجماعة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- همّ بالتحريق، والهم من أعمال القلب، ومثله العزم، بل هو أقوى منه، ولذا يقول القائل:

مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا ... فخاطرٌ فحديثُ النفس فاستمعا

يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

<<  <  ج: ص:  >  >>