روى الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- بسند صحيح عن أنسٍ قال: خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجلٌ كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها، هل نقول: أن إسلام أبي طلحة غير مقبول؛ لأنه أسلم ليتزوج، ونقول: هذا كمن هاجر ليتزوج؟ قد يكون الإسلام في مبدأ الأمر لرغبة أو لرهبة، ثم يقع الإسلام من قلبه موقعاً عظيماً فيحسن إسلامه، ويصدق في الإسلام قدمه، فيصير من أفضل المسلمين، ومن خيرهم، وهذا ما حصل بالنسبة لأبي طلحة، قال ثابت: فما سمعتُ بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم، الإسلام مهرها الإسلام، والقصة سندها صحيح.
لكن العيني في عمدة القاري ذكر أن هذا لا يصح عن أبي طلحة، فالحديث وإن كان صحيح الإسناد، العيني لا يعل الحديث من جهة الإسناد، لكن يعله من جهة المتن، الإسناد صحيح بلا شك عند النسائي، يقول: فالحديث وإن كان صحيح الإسناد، ولكنه معللٌ بكون المعروف أنه لم يكن حينئذٍ نزل تحريم المسلمات على الكفار، وإنما نزل بين الحديبية وبين الفتح، حين نزل قوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [(١٠) سورة الممتحنة] كما ثبت في صحيح البخاري، وقول أم سليم في هذا الحديث: ولا يحل لي أن أتزوجك شاذٌ مخالفٌ للحديث الصحيح، وما أجمع عليه أهل السير، يعني كلام العيني في محله.