في شرح الحديث الثاني من أحاديث المختصر، تروي الحديث عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق أبي بكر، أحب النساء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بنت أحب الرجال إليه، وعن الحارث بن هشام المخزومي أحد فضلاء الصحابة ممن أسلم يوم الفتح، واستشهد في فتوح الشام سنة (١٥هـ)، والحديث ترويه عائشة -رضي الله عنها- عن الحارث أو عن قصة الحارث، ففي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولا فرق بين السند المؤنن كما هنا: أن الحارث بن هشام وبين السند المعنعن كما فيما لو قالت: عن الحارث بن هشام، فحكم (أن) حكم (عن) عند جمهور العلماء، وإن كان سياق القصة يدل على أن عائشة تروي القصة مع احتمال أن تكون حضرة السؤال، واحتمال آخر أن تكون لم تحضر هذا السؤال، وإنما تنقله عن الحارث بن هشام إما مباشرة أو بواسطة، فالحديث يحتمل أن تكون عائشة حضرت السؤال والجواب فيكون من مسندها، وعلى هذا مشى أصحاب الأطراف كالمزي حيث ذكره في مسندها في الجزء الثاني عشر صفحة (١٩٣) ويحتمل أن يكون الحارث بن هشام أخبرها بذلك فيكون الحديث من مراسيل الصحابة، وهو موصول عند جماهير العلماء، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
ونقل عليه الاتفاق، وإن خالف في ذلك أبو إسحاق الإسفرايني فزعم أن مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم، لكن لم يلتفت أهل العلم إلى هذا القول، فنقلوا عليه الاتفاق، فمرسل الصحابي في حكم الموصول، وقد جاء ما يؤيد الثاني، ففي مسند الإمام أحمد -رحمه الله- من طريق عامر بن صالح الزبيري عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحارث بن هشام قالت: سأل .. وعامر فيه ضعف؛ لكن له متابعٌ عند ابن مندة؛ قاله الحافظ -رحمه الله- ابن حجر.
على كل حال سواءٌ قلنا: أنه متصل، وأن عائشة شهدت السؤال والجواب، أو لم تشهد السؤال والجواب فبلغها عن الحارث نفسه، فيكون من مرسل الصحابي، ومرسل الصحابي حكمه حكم الموصول، ولا فرق.
مناسبة الحديث للترجمة المناسبة ظاهرة، حيث كان السؤال عن صفة الوحي، وكيفية مجيئه بواسطة حامله، فالمناسبة ظاهرة.