نسخ هذا الأصل من قبل جمع من أهل العلم وقوبل وضبط وحرر، إلى أن جاء القسطلاني فبحث عن الأصل فما وجده، أصل يونيني ما وجده، فوقف على فرع صحيح مقابل متقن فقابل نسخته عليه ست عشرة مرة، ولو تقول لبعض طلاب العلم، كم قرأت البخاري؟ يمكن ما قرأه كاملاَ ولا مرة واحدة، - قابل نسخته على الفرع ست عشرة مرة- يقول بعد زمن طويل جداً وقفت على المجلد الثاني يباع من الأصل، وقف على المجلد الثاني من الأصل يباع فاشتراه، وقابل عليه الفرع فوجده لا يختلف عن الفرع ولا بحركة ولا بحرف ولا بنقطة كل هذا من حفظ الله - جل وعلا - لسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام -، أن يصل الأمر إلى هذا الحد ثم بعد سنوات وقف على المجلد الأول فقابله وجده كذلك، ولذا يمتاز القسطلاني وشرحه المسمى "إرشاد الساري " عن بقية الشروح يمتاز بأي شي؟ بالعناية بألفاظ الصحيح ليس له نظير في هذا الباب، يشير إلى كل اختلاف بين الروايات ولو لم يترتب عليه فائدة.
الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - يقول: إنه اعتمد رواية أبي ذر، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، والقسطلاني يشير إلى كل لفظ وكل حرف أو ضبط يختلف عن ما عنده، أو من راوية إلى أخرى.
ولو نظرتم في عناية المتأخرين بالقسطلاني لوجدتموه أكثر من عنايتهم بفتح الباري، يعني مطبعة بولاق التي يصحح فيها أئمة من كبار أهل العلم، كم طبعة فتح الباري؟ مرة واحدة، كم طبعة عمدة القاري كم؟ ولا مرة، كم طبعة إرشاد الساري؟ سبع مرات، - بولاق فقط طبعة إرشاد الساري سبع مرات - هذا ما هو من فراغ الذي يريد ضبط الصحيح، وإتقان ألفاظ الصحيح، والفروق الدقيقة بين الروايات، عليه بإرشاد الساري نعم في البحوث، سواء كانت الحديثية، أو الفقهية، أو غيرها من فنون العلم، لا شك أن فتح الباري يفوق بمراحل وعمدة القاري تفوق الجميع بما يتعلق بفنون أخرى، - يعني بعيدة عن علم الحديث إلى علوم العربية وعلوم الأخبار والإطالة في التراجم وما أشبه ذلك-، عمدة القاري لا شك أنه في ربعه الأول متميز مرتب ومنظم وله عناية بالفروع العربية كلها، من الغريب والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع وغيرها من الفنون العربية.