وأتى برجل كان نصرانياً وأسلم ثم رجع عن الإسلام، قال: فسأله فأقر بما كان منه فاستتابه فتركه، فقيل له: كيف تستتيب هذا ولم تستتب أولئك قال: إن هذا أقر بما كان منه، وإن أولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة فلذلك لم استتبهم، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وروى عن أبي ادريس قال:"أتى علي - رضي الله عنه - برجل قج تنصر فاستتابه، فأبى أن يتوب، فقتله، وأتى برهط يصلون إلى القبلة، وهم زنادقة، وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول، فجحدوا وقالوا: ليس لنا إلا دين الإسلام، فقتلهم ولم يستتبهم، ثم قال: أتدرون لم استتب هذا النصراني؟ استتبته لأنه أظهر دينه، وأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينخ وجحدوني، فإنما قتلهم لأنهم جحدوا، وقامت عليهم البينة" فهذا من أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - بيان أن كل زنديق كتم زندقته وجحدها حتى قامت عليه البينة قتل ولم يستتب.
فإن قيل: لا يليق بعدل الباري تعالى المؤاخذة قبل التعجيز بالحجة. قيل: ولا بعد التعجيز، إذ يبقى لم لم يوقفهم للهداية؟ ومثل هذه وساوس يستعاذ منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فكان موضوع الرسالة ما ذكرنا.
لكت في أثناء التأليف أنجر البحث عند الكلام في مسألة التأويل إلى نقول أخر، والشيء بالشيء يذكر، فأنضم إليها أطراف وذيول، لعلها تفيد الناظرين، فليس من الدين أن يكفر مسلم، ولا أن يغمض عن كافر، والناس في هذه المسألة في هذا العصر على طرفى نقيض، ولقد صدق من قال: إن الجاهل إما مفرط وإما مفرط، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.