للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدل به - أي بحديث أبي سعيد في مروق الخوارج من الدين كمروق السهم من الرمية - لمن قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة, وبذلك صرح القاضي أبو بكر ابن العربي في "شرح الترمذي" فقال. الصحيح أنهم كفار، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يمرقون من الإسلام"، ولقوله: "لأقتلنهم قتل عاد"، وفي لفظ: "ثمود" وكل منهما إنما هلك بالكفر، ولقوله: "هم شر الخلق" ولا يوصف بذلك إلا الكفار، ولقوله "إنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى"، ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار، فكانوا هم أحق بالاسم منهم.

وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في "فتاواه": احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة، لتضمنه تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهادته لهم بالجنة. قال: وهو عندي احتجاج صحيح. قال: واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعى تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علماً قطعياً وفيه نظر، لأنا نعلم تزكية من كفروه علماً قطعياًَ إلى حين موته، وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم، ويؤيده حديث: "من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما" وفي لفظ "مسلم": "من رمى مسلماً بالكفر - أو قال -: عدو الله إلا حار عليه".

قال: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم، فيجب أن يحكم بكفرهم مقتضى خبر الشارع، وهو نحو ما قالوه في من سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود، فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك، قلنا: وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من

<<  <   >  >>