والعلم الضروري يقتضي في كل ما شاع مثل هذا في أعصارهم، ولم يذكر أحد منهم له تأويلاً أنه على ظاهره.
فتأمل هذه القاعدة التي ذكرتها لك فيما استفاض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفاضة متواترة ولم يذكر له ألبتة تأويل وإجماع الصحابة على وصف الله تعالى بأنه متكلم، وله كلام من غير اشعار بتأويل، فجهروا بتكفير من قال ذلك إما لاعتقادهم أنه مكذب لهذه الآيات أو إن كلامه يؤول إلى التكذيب.
امتنع من وصف القرآن بالحدوث من لم يصفه بالقدم، كأحمد بن جنبل، والجمهور على ما نقله الذهبي عنهم، وعن أحمد في ترجمة أحمد من النبلاء، وكذا نقل هناك عن قدماء أهل السنة أنهم لم يصفوا القرآن بأنه قديم، كما لم يصفوه بأنه مخلوق، واختار ذلك لنفسه.
لما تقدم من اشتراط القطع في التكفير عند المعتزلة والشيعة وطوائف من الأمة، وهو كذلك في حق من أراد القطع بالكفر، فإن قيل له أنه ينزل عن هذه المرتبة إلى مرتبة الظن الراجح إلى السمع الواضح، والعمل بالظن لا يمتنع إلا بقاطه إلخ.
ولم يرد القرآن بأنه كله متشابه، وإنما ورد بأن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأين الآيات المحكمات الواردات بهذا التعطيل من الجهات حتلا يرد إليها سائر آيات كتاب الله تعالى، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعقول السليمة تحيل خلو الكتب السماوية والأحاديث النبوية من النطق بالصواب، الذي يرد إليه كثير من متشابهات الكتاب، وإلى استحالة ذلك أشار في قوله تعالى:{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويالها من آية قاطعة للمبطلين لمن تأملها في كل موضع.