له يحتمل أن يكون لسبب غاية زهده، لأن الإنسان حريص على ما منع، وكلما كان إعراض المعشوق اكثر كان شدة عشق العاشق أكثر.
الحجة الخامسة عشرة:
قوله تعالى:(وَفَضلَناهُم عَلى كَثَيرٍ مِمَن خَلَقَنا تَفضِيلاً) الإسراء: ٧٠ ومخلوقات الله تعالى: المكلفون وما عداهم، ولا شك أن المكلفين أفضل من غيرهم، وأما المكلفون فهم أربعة أنواع: الملائكة والجن والإنس والشياطين؛ ولا شك أن الإنس أفضل من الجن والشياطين، فلو كانوا أيضا أفضل من الملائكة لزم أن يكونوا أفضل من جميع المخلوقات فكان ينبغي أن يقول: وفضلناهم على من خلقنا، وعلى هذا التقدير يصير لفظ كثير ضائعا، وذلك غير جائر، فعلمنا أنه ليس أفضل من الملك، فإن قيل: هذا تمسك بدليل الخطاب ويجوز أن تخصيص الكثير بالذكر يدل على أن حال الباقي بخلافه وأيضا: فهب أن جنس الملائكة أفضل من جنس البشر، لكن لا يلزم أن يكون كل فرد من أفراد ذلك الجنس أشرف من كل فرد من أفراد ذلك الجنس، وأيضا يجوز أن يكون المراد: وفضلناهم في الكرامة المذكورة في أول هذه الآية وهي الكرامة في جنس الصورة ومزيد الذكاء والقدرة على الأعمال العجيبة، وإذا ثبت هذا فنحن نسلم أن البشر ليس أفضل من الملك في هذه الصورة، لكن لم قلتم إنه ليس أفضل منه في كثرة الثواب؟ قلنا: أما السؤال الأول فجوابه من وجهين، الأول: هب أن هذا تمسك بدليل الخطاب غلا أنه حجة بدليل أن من قال: اليهودي إذا مات لا يبصر شيئا، فإنه يضحك من هذا الكلام، بعلة أنه لما كان المسلم كذلك، لم يبق لذكر اليهودي فائدة، وهذا يدل على أن تخصيص الشيء بالذكر يوجب نفي الحكم عما عداه، والثاني: أن هذا ليس تمسكا بدليل