للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله : «فمن رام عِلمَ ما حُظِر عنه عِلمُه، ولم يقنع بالتسليم فهمُه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان».

هذا بيان لأثر عدم التسليم. «من رام» يعني: طلب، «ما حُظِر عنه عِلمُه» يعني: حُجب عنه ومُنع من عِلمِه، «ولم يقنع بالتسليم» فهو كثير الاعتراض والسؤال، فيقول: - مثلًا - لِمَ خلق الله الحشرات؟ لِمَ خلق الله هذه المؤذيات؟ لِمَ خلق الله الناس هذا دميم، وهذا قصير؟ لِمَ أضل من أضل من الخلق؟ لم أغنى هذا وأفقر هذا؟ في تساؤلات عن حِكَم الله في تقديراته. ففي نفسه اعتراضات!

ومن الأشياء التي تجري على بعض الألسن - وهي نابعة من عدم التسليم -: «فلان والله ما يستحق أن يبتلى بهذه الأمراض والأوجاع والمصائب أو يبتلى بالفقر»، هذا اعتراض على تدبير أحكم الحاكمين.

وقوله: «فمن رام عِلمَ ما حُظِر عنه عِلمُه، ولم يقنع بالتسليم» فيريد أن يفهم كل شيء، وهذا لا يمكن؛ لأن عقل الإنسان له حد، فلا يمكن أن يعرف أسرار الوجود، وتفاصيل حِكَم الله في أقداره، وإن لم يسلم لله؛ «حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان» هذه هي النتيجة، «حجبه مرامه»، أي: منعه طلبه وتكلُّفه معرفةَ ما هو محجوب عنه، عن خالص التوحيد وصحيح الإيمان، فالتكلف وطلب ما لا سبيل إلى معرفته ينافي تحقيق التوحيد، فتحقيق التوحيد يقتضي التسليم؛ لأن التسليم والاستسلام لله هو موجب التوحيد والإيمان

<<  <   >  >>