فالسعادة موقوفة على أسبابها والشقاوة موقوفة على أسبابها، فالشقاوة سببها الكفر والعصيان والشرك والظلم والفسق والعدوان، فلا يدخل النار أحد إلا بالأسباب الموجبة لدخولها، ولا يدخل الجنة أحد إلا بالأسباب المقتضية لدخولها، والكل قد سبق به علم الله وقضاؤه وكتابه، فلا بد من استحضار هذه الحقائق، فالشقاوة لا تكون بلا سبب، فمن سبق قضاء الله في شقاوته فلا بد أن تقوم به أسباب الشقوة، ومن سبق قضاء الله بسعادته؛ فلا بد أن تقوم به أسباب السعادة.
ومقام الكلام في القدر من المقامات العظيمة التي تموج فيها الأفكار والأقوال موجًا؛ ولكن المُعتصَم الذي به النجاة من الزلل في هذه المسالك وهذه المتاهات التي ضل فيها أكثر الخلق، هو كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فإذا أشكل عليك أمر ولم تدركه بعقلك الناقص القاصر؛ فاعتصِمْ بالله وبكتابه، وحسبُك.
وهذا الأصل العظيم مع ما يذكر فيه من تفاصيل بعض المسائل يقوم على المراتب الأربعة المتقدمة، ولا بد مع الإيمان بالقدر من الإيمان بالشرع والإيمان بحكمة الرب، فهذه ثلاثة أصول لا بد من التحقق بها، وتقدم أن المؤلف ذكر الأصلين: الإيمان بالشرع والقدر بعدما ذكر بعض الجوانب في القدر قال: «ولم يخفَ عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته»(١).