وقوله: «فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: ﴿لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)﴾ [الأنبياء]».
يؤكد المؤلف ما سبق، فبعدما بين خطورة الخوض في أسرار القدر بالكلمات السابقة قال: فالحذر كل الحذر من التعمق والبحث في أسرار القدر «نظرًا وفكرًا ووسوسة»، والنظر والفكر بمعنى: التفكير.
والوسوسة دون ذلك، فقد تكون بداية التفكر والنظر، «فالحذرَ» منصوب على الإغراء، أي: الزم الحذر والخوف أيها المسلم العاقل الناصح لنفسك.
والوسوسة هي: إلقاء المعاني في القلب، فالشيطان يوسوس فيلقي معاني الشبهات، ومعاني الشهوات في القلب مثل البذر، فوساوس الشيطان هي البذرة الأولى للشرور كلها؛ لكن هذه الوساوس قد تموت في مكانها إذا وُفِّق الإنسان لدفعها، وتعوذ بالله منه فإنها تنتهي، وقد يثمر تفكيرًا وتفكُّرًا، ثم قد يثمر كلامًا وعملًا، فكل الشرور التي تُشاهَد بالعيون وتُسمَع بالآذان كلها نابتة من ذلك الوسواس، والله تعالى قد أنزل سورة ليتحصن بها المسلم من ذلك الوسواس الخناس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)﴾، وسبقت الإشارة إلى الحديث الذي ورد في شأن الوسواس: «يأتي الشيطانُ أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من