للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: «وحلوُه ومرُّه»، كأن هذا التعبير من تنويع الكلام؛ لأن الأمور المقدرة منها ما هو حلو في حس وذوق الناس؛ كالنعم والأشياء المستطابة، والمر الأشياء الكريهة كالمصائب؛ لأن لها مرارة في النفوس.

ويفسر الخير باللذات وأسبابها، والشر بالآلام وأسبابها، لكن هناك لذات في نفسها لكنها أسباب لآلام طويلة، فتكون في ذاتها خيرًا، لكنها شر باعتبار ما تفضي إليه، فالمعاصي شر وإن استلذتها النفوس؛ لأنها تفضي إلى أعظم الآلام.

والطاعات خير في ذاتها ومآلها، وإن اشتملت على بعض المشاق والكُلَف، لكنها خير؛ لأنها نفسها مصالح ومنافع عظيمة، وفي الصحيح عن النبي : «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات» (١)، والله تعالى اقتضت حكمته تنويعَ الخلْقِ، وخلْقَ الأضداد في هذا الوجود، فخلَقَ الخير والشر، والنافع والضار، والحسن والقبيح في الذوات والصفات والأفعال، فخلق النور والظلمات، وخلق الملائكة والشياطين، وخلق الصحة والمرض والحياة والموت: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢].

إذًا؛ الأشياء المخلوقة فيها خير وشر والله خالق الخير والشر، أما فعل الرب سبحانه: حكمه وقضاؤه وتقديره؛ فكله خير، ليس فيه شر، والشر لا يضاف إلى الله اسمًا، ولا صفةً ولا فعلًا، فالشر لا يكون في أسمائه فكلها حسنى، ولا في صفاته فكلها صفات كمال وحمد، ولا في أفعاله فكلها أفعال عدل وحكمة، وإنما يكون في مفعولاته، أي: مخلوقاته.


(١) رواه البخاري (٦٤٨٧)، ومسلم (٢٨٢٣) - واللفظ له - من حديث أبي هريرة .

<<  <   >  >>