للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما فُسر به قول النبي : «والشر ليس إليك» (١)، أنه تعالى لا يخلق شرًّا محضًا؛ بل كل الشر الذي في المخلوقات شر نسبي ليس شرًّا محضًا، وهذا يرجع إلى الإيمان بحكمته ، وأنه حكيم، ما خلق شيئًا عبثًا، لم يخلق شيئًا إلا لمصالحَ وحكمٍ يعلمها سبحانه، وليس من شرط ذلك أن تكون عائدة للعبد، بل قد يكون فيها شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي، أو شر مطلق؛ فالله تعالى منزه عنه.

وكل ما خلقه الله إما أن يكون خيرًا محضًا، أو أن وجوده خير من عدمه باعتبار الحكمة العامة، فالله خلق هذه الأضداد لحكم بالغة، ومن حِكمه تعالى في خلقه: الابتلاء، قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ [الملك: ٢]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)[الكهف]، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧].

والشر الذي في المخلوقات لا يضاف إلى الله مفردًا أبدًا؛ بل إما يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨]، وكقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦]، يعني: الخير والشر.

وإما بصيغة البناء للمفعول، كقوله تعالى عن الجن: ﴿٩ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي﴾ [الجن: ١٠]، وإما أن يضاف إلى خلقه سبحانه، كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)(٢).


(١) رواه مسلم (٧٧١) من حديث علي بن أبي طالب .
(٢) منهاج السنة ٥/ ٤١٠، ومجموع الفتاوى ١٤/ ٢٦٦، وبدائع الفوائد ٢/ ٧٢٤.

<<  <   >  >>