للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الوجوه التي يُعبَّر بها في إضافة الشر المخلوق.

وعلى هذا فلا ينبغي أن تقول: الله خالق الشر، لكن قل: الله خالق كل شيء، وهذا معنى التعبير بالعموم، وقل: فلان أريد به السوء، ولا تقل: أراد الله به.

وكذلك إذا أردت أن تخبر عن خلق الله للمخلوقات، قل: الله خالق كل شيء، الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن، ولا تقل: الله خالق الحشرات وخالق الكلاب، أو: الله رب الكلاب، هذا منكر؛ بل قل: رب السماوات والأرض، رب كل شيء، هذا الذي فيه التعظيم، كما تَمَدَّح بذلك ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦)[المؤمنون].

وهكذا في النفع والضر فلا تقل: الله هو الضار؛ بل قل: الله هو النافع الضار، وهذا من جنس الأول في التعبير بالعموم.

ومن هذا ما ذكر الله من قول إبراهيم : ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)[الشعراء]، ولم يقل: وإذا أمرضني شفاني، وهذا من الأدب في الإخبار عن الله .

ومما يتعلق بهذا الجمعُ بين آيتي سورة النساء، وهي قوله : ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨]، وقوله تعالى في الآية التي تليها: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَّفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، فظاهر الآية الأولى أن الحسنة والسيئة كلها من عند الله، ومعنى أن الحسنة والسيئة من عند الله أنهما بمشيئته وتقديره وتدبيره، وليس في تقديره شر ؛ بل حكمة وعدل.

<<  <   >  >>