للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» (١)، ليس إقرارًا، وإنما هو من قبيل الإخبار بالواقع، ولم يُسَق على وجه التسويغ والتجويز له، فأهل العلم والإيمان، والصلاح والتجرد عن الهوى وإيثار الدنيا يحبون الخير لإخوانهم المسلمين، ولا سيما ولاة الأمر سواء أعطوهم من الدنيا أم لم يعطوهم، وفي الحديث الصحيح: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» - وذكر منهم -: « … ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يفِ» (٢)، فهو دائر مع الدنيا، وهذا واقع، فأكثر الناس إنما ينكرون على الولاة أمر الدنيا لا أمر الدين، فلا ينقمون تقصيرهم في حقوق الله، إنما نقمتهم الأثرة، ويطلبون منافستهم في الدنيا، ولهذا أوصى النبي أصحابه الأنصار فقال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» (٣).

وقوله : «أثرة»: استبداد بالولايات وبالمال. وقوله : «فاصبروا» أي: لا تنازعوا ولاة الأمر من أجل ذلك.

ويكثر الخروج على الولاة من أجل المنازعة على السلطة باسم الإصلاح الدنيوي أيضًا؛ فينتج عنه شر مستطير على الناس، فتسفك الدماء وتنتهك الحرمات، وتذهب الأموال، وينتشر الفساد، خصوصًا إذا لم يكن هناك استقرار في الأمر فتعم الفوضى، ويتمكن كل مجرم من بلوغ مرامه، واقتراف إجرامه.


(١) تقدم في ص ٣١٧.
(٢) رواه البخاري (٧٢١٢)، ومسلم (١٠٨) من حديث أبي هريرة .
(٣) تقدم في ص ١٧٩.

<<  <   >  >>