للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأقوال الباطلة المعروفة عن المتكلمين قولهم: إن البعث يكون بجمع تلك الأجزاء، وهذا يرجع إلى مقولة معروفة هي: أن الأجسام مركبة من جواهر مفردة، والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ، وهم منازعون في دعوى وجود الجوهر الفرد.

والتحقيق أنه ما من جزء إلا ويتجزأ حتى يبلغ إلى غاية صغيرة فيستحيل أو يعدم، كما قال شيخ الإسلام (١).

فهؤلاء القائلون بنظرية الجوهر الفرد يقولون: إن البعث يكون بجمع تلك الجزيئات: فإذا مات الميت وتفرقت جزيئاته فيكون البعث بجمع تلك الجزيئات.

وهذا باطل؛ فإن الأجسام تستحيل وتتغير وتتحول من طبيعة إلى طبيعة، ثم يقال: إنه لو كان البعث بجمع تلك الجزيئات على فرض صحة الدعوى؛ للزم أن يكون كل إنسان يبعث على هيئته التي كان عليها، الكبير الهرم على هيئته، والصغير كذلك، وهذا مخالف للنصوص التي بيَّن الله تعالى فيها أنه يعيد ما تفرق واستحال، ثم ينشئها كما يشاء نشأة أخرى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)[النجم]، وقال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١)[الواقعة]، ننشئكم نشأة لا تعلمونها ولا تتخيلونها.


(١) مجموع الفتاوى ١٦/ ٢٧٠ و ١٧/ ٢٤٦، وبيان تلبيس الجهمية ٢/ ٢٥٠، ومنهاج السنة ١/ ٢١٢ و ٢/ ١٣٩ و ٢١٠.

<<  <   >  >>