للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ثبت في النصوص ذكر خلقة من يدخل الجنة ومن يدخل النار، وأن أجسامهم لا تكون على هيئة أجسام الناس في هذه الدنيا؛ بل تختلف اختلافًا كبيرًا (١)، ينشئها الله نشأة أخرى تليق بالحياة الآخرة عذابها ونعيمها، وليس البعث إيجادًا من عدم؛ بل البعث إعادة، وهذا هو الذي أنكره الكفار، فإنهم لا ينكرون أن الله يخلق مثلما خلق، فهم يشاهدون أن الله يخلق الأجيال، إنما ينكرون أن يعيد الله ما استحال من أبدانهم وتفرق من أجسادهم: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)[الرعد]، ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء] الآيات، ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)[ق]، ولهذا أنكر العلماء على جهم بن صفوان ومن وافقه قولهم: إن المعاد هو أن يخلق الله الخلق خلقًا جديدًا ليس بإعادة، يقول ابن القيم - في فصل طويل في «الشافية الكافية» (٢) عن جهم ومقالاته -:

وَقَضَى بِأنَّ اللهَ يَجعَلُ خَلقَهُ … عَدَمًا ويقلِبُهُ وُجُودًا ثَاني


(١) في صحيح البخاري (٦٥٥١)، و مسلم (٢٨٥٢) عن النبي : «ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع»، وفي صحيح البخاري (٣٣٢٦)، ومسلم (٢٨٤١) عن النبي : «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا … فكل من يدخل الجنة على صورة آدم».
(٢) ص ٢٣.

<<  <   >  >>