للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طردُها أن يقال لهم: قولوا مثل هذا في سائر الأسباب، فيقال لمن حرث وأراد الزرع والثمر: حرثك وزرعك هذا لا فائدة منه؛ فإن كان الثمر قد قدره الله فسيحصل لك بدون عملك هذا، وإن لم يقدر لك فلا فائدة في عملك!

وهكذا يقال لمن سعى لطلب الرزق: الرزق الذي تسعى إليه إن كان مكتوبًا لك فسيحصل ولو لم تسعَ، وإن كان غير مقدر؛ فلا فائدة في سعيك، ولا أثر له (١)!

وهذه الشبهة تقتضي تعطيل الأسباب الشرعية والكونية، وهذا معلوم الفساد؛ فإن الله قد فطر العباد على فعل الأسباب وعلى رجاء أثرها، فالمذموم هو الاعتماد على الأسباب، كما قال بعضهم: «الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع» (٢)، فالأسباب خلقها الله وقدرها وشرعها وجعلها مؤثرة في حصول مسبَّباتها، ولكن كل ذلك مرده إلى قدرة الله ومشيئته وتقديره وتدبيره.

والآيات والأحاديث في الترغيب في الدعاء كثيرة معلومة، فالله تعالى ندب عباده إلى الدعاء ورغبهم فيه؛ لأن حوائج العباد كلها لديه، فبيده الملك وبيده الخير، وهو المعطي المانع، فلا مانع لما أعطى ولا


(١) انظر: الداء والدواء ص ٢٦.
(٢) نسبه شيخ الإسلام في منهاج السنة ٥/ ٣٣٦، وبغية المرتاد ص ٢٦٢: إلى أبي حامد الغزالي وابن الجوزي، وهو بمعناه في «إحياء علوم الدين» ٤/ ٣٧٤، وكلام ابن الجوزي في مختصر الإحياء «منهاج القاصدين» ٣/ ١٢٢٧.

<<  <   >  >>