وتنفرد الإرادة الكونية في كفر الكافر ومعصية العاصي، فهو مرادٌ بالإرادة الكونية لا الشرعية، إذ ليس ذلك بمحبوب بل مسخوط ومبغوض لله سبحانه.
وتنفرد الإرادة الشرعية في إيمان الكافر الذي لم يقع؛ لأنا نقول: إنه مرادٌ من أبي جهل أن يؤمن بالإرادة الشرعية، لكنه لم يقع.
لكن الإرادة الشرعية لا تفسر بالمشيئة، فلا نقول: إن الله شاء الإيمان من أبي جهل، لكن نقول: إن الله أراد منه الإيمان، يعني: الإرادة الشرعية، وأمره بالإيمان الأمر الشرعي.
وبهذه المناسبة؛ الصحيح أن المشيئة لا تنقسم، فلا يقال: إن المشيئة نوعان: شرعية وكونية. بل المشيئة كونية فقط، وليس لمن قال:«إن المشيئة نوعان» ما يدل على قوله؛ بل هي عامة «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن».
وتقسيم الإرادة إلى: كونية وشرعية يجري مثله في معانٍ متعددة في القرآن، فمما يضاف إلى الله الإذن، وهو: شرعي وقدري - والقدري هو الكوني - والقضاء، والتحريم، والبعث، والإرسال، وغيرها كلها يجري فيها هذا التقسيم (١).
فمثلًا: الإذن منه كوني وشرعي، قال الله تعالى في شأن السحرة ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢]، فالسحرة لا يضرون أحدًا بسحرهم إلا بإذنه الكوني.
(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص ٢٦٥، وشفاء العليل ص ٢٨٠.