للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وصف ذلك بأنه إذا أعطي رضي وإذا منع سخط كما قال تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ» [التوبة: ٥٨] فرضاهم لغير الله وسخطهم لغير الله.

وهكذا حال من كان متعلقاً برئاسة أو بصورة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له، إذ الرق والعبودية في الحقيقة: هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده..

وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه ولا يطمع فيه ولا يبقى فقيراً إليه ولا إلى من يفعله، وأما إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه فإن قلبه يتعلق به فيصير فقيراً إلى حصوله، وإلى من يظن أن سبب في حصوله، وهذا في الحال والجاه والصور وغير ذلك.

قال الخليل: «فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» [العنكبوت: ١٧]

فالعبد لا بد له من رزق وهو يحتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبداً لله فقيراً إليه وإذا طلبه من مخلوق صار عبداً لذلك المخلوق فقيراً إليه. ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل وإنما أبيحت للضرورة، وفي النهي عنها أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد".

وبعد أن نقل طائفة من الأحاديث في ذلك قال: " والإنسان لا بد له من حصول ما يحتاج إليه من الرزق ونحوه ودفع ما يضره، وكلا الأمرين شرع له أن يكون دعاؤه لله، فلا يسأل رزقه إلا من الله ولا يشتكي إلا إليه - كما قال يعقوب عليه السلام «إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ» ... "

"وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له، فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه كما قيل: "استغن عمن شئت تكن نظيره، وافضل على من شئت تكن أميره، واحتج لمن شئت تكن أسيره".

<<  <   >  >>