للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يوضح ذلك أن الرياء إنما كان شركاً أصغر لطروء الفساد على عمل القلب، بخلاف سائر المعاصي التي يكون الفساد فيها مقتصراً على عمل الجوارح فلم يطلق عليها الشارع لفظ الشرك مثله.

وإرادة غير الله بالهم والحرث بحيث تنصرف أعمال القلوب لمراد غيره يستهلكها أو أكثرها أمكن في باب الشرك من مجرد الرياء بطاعة من الطاعات أو طلب الدنيا بها، لكن ها هنا مجال التفاوت، فمن صرف إرادته لغير الله بالكلية كان عبداً خالصاً لغير الله، ومن جرد إرادته لله وحده بلغ الذروة من الإيمان وبين ذلك درجات كثيرة وحالات مختلفة.

والحالة التي نريد علاجها هنا هي عبودية القلب لغير الله دون أن يشعر، لأن غفلة الناس عنها وراء وقوعهم في الوهم الأكبر: (وهم أنهم محققون للإيمان مع كونهم غير عابدين لله)

والحال أنهم بضد ذلك حتى لو سلموا من الشرك الجليّ - وما أقل السالمين منه -.

يقول شيخ الإسلام: "كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله، وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته، ومن توهم أن المخلوق يخرج من العبودية بوجه من الوجوه أو أن الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق بل من أضلهم".

ثم ذكر النصوص في ذلك، وقال: "إذا تبين ذلك فمعلوم أن الناس يتفاضلون في هذا الباب تفاضلاً عظيماً وهو تفاضلهم في حقيقة الإيمان، وهم ينقسمون فيه إلى عام وخاص، ولهذا كانت إلاهية الرب لهم فيها عموم وخصوص.

ولهذا كان الشرك في هذا الأمة أخفى من دبيب النمل.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، إن أعطي رضي وإن منع سخط" (١)

فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد الخميصة وذكر ما فيه دعاء وخبراً، وهو قوله "تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش".

والنقش إخراج الشوكة من الرجل، والمنقاش: ما يخرج به الشوكة، وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال.


(١) الفتح (٦/٨١) مع اختلاف الألفاظ

<<  <   >  >>