للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من استعبد قلبه فصار عبداً لغير الله فهذا يضره ذلك ولو كان في الظاهر ملك الناس.

فالحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما أن الغنى غنى النفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس" وهذا لعمر الله إذا كان قد استعبد قلبه بصورة مباحة، فأما من استعبد قلبه صورة محرمة - امرأة أو صبي - فهذا هو العذاب الذي لا يدانيه عذاب (١) .

وهؤلاء عشاق الصور من أعظم الناس عذاباً وأقلهم ثواباً، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد.

وكذلك طالب الرئاسة والعلو في الأرض قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم فهو في الحقيقة يرجوهم ويخافهم، فيبذل لهم الأموال والولايات ويعفو عما يجترحونه ليطيعوه ويعينوه، فهو في الظاهر رئيس مطاع وفي الحقيقة عبد مطيع لهم (٢) .

والتحقيق أن كلاهما (٣) فيه عبودية للآخر وكلاهما تارك لحقيقة عبادة الله، وإذا كان تعاونهما على العلو في الأرض بغير الحق كانا بمنزلة المتعاونين على الفاحشة أو قطع الطريق، فكل واحد من الشخصين لهواه الذي استعبده واسترقه مستعبد للآخر.

وهكذا أيضاً طالب المال، فإن ذلك المال يستعبده ويسترقه.

ثم يقول رحمه الله: وهذه الأمور نوعان:

١ - منها ما يحتاج العبد إليه من طعامه وشرابه ومسكنه ومنكحه ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله ويرغب إليه فيه، فيكون المال عنده - يستعمله في حاجته - بمنزلة


(١) ولهذا يسطر عباد الصور اعترافهم بأن "الحب عذاب" فوق الجدران وعلى السياراتوجسور الطرق وحتى مقاعد الدراسة!!
(٢) ومن أعظم الأدلة من الواقع على ذلك ما نراه ونسمعه من المتنافسين على انتخابات الرئاسة في الدول المساة "ديمقراطية" مع الشعب والنقابات والهيئات والطوائف ... طمعا في الحصول على أصوات هؤلاء. فما ظنك بالزعامات " الديكتاتورية " المعرضة للسقوط بين عشية وضحاها؟!
(٣) كذا، وفي الأصل كلاً منهما.

<<  <   >  >>