للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حماره الذي يركبه ويساطه الذي يجلس عليه، بل بمنزلة الكنيف الذي يقضي فيها حاجته من غير أن يستعبده (١) ، فيكون هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً.

٢ - ومنها ما لا يحتاج العبد إليه، فهذا لا ينبغي له أن يعلق قلبه به إذا علق قلبه به صار مستعبداً له، وربما صار معتمداً على غير الله فلا يبقى معه حقيقة العبادة لله ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكل على غير الله وهذا من أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة". وهذا هو عبد هذه الأمور فإنه لو طلبها من الله، فإن الله إذا أعطاه إياها رضي وإذا منعه إياها سخط، وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله ويسخطه ما يسخط الله، ويحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله تعالى، وهذا هو الذي استكمل الإيمان كما في الحديث: "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" وقال: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله". (٢)

وشرح الإمام ابن القيم رحمه الله في مواضع متفرقة كيف أن أعظم أصول المعاصي كلها هو تعلق القلب بغير الله، وأن سبب انحراف الناس عن الإيمان انحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الإرادة.

ويقول: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم.

فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره. فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق


(١) من بلايا زماننا هذا أن الكنيف أصبح من وسائل استعباد القلوب، كيف لا وعباد الدنيا يصنعونه من الذهب الخالص
(٢) العبودية، ص ٨٠- ١٠٣ مقتطفات

<<  <   >  >>