للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحبته وخدمته. قال تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ» (١)

ويقول: "الإنابة هي عكوف القلب على الله عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته وذكره بالإجلال والتعظيم وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله.

ومن لم يعكف قلبه على الله وحده عكف على التماثيل المتنوعة، كما قال إمام الحنفاء «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون» فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف، فكان حظ قومه العكوف على التماثيل وكان حظه العكوف على الرب الجليل.

والتماثيل جمع تمثال وهو الصورة الممثلة، فتعلق القلب بغير الله واشتغاله به والركون إليه عكوف منه على التماثيل التي قامت بقلبه، وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام.

ولهذا كان شرك عبّاد الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم، فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفاً عليها فهو نظير عكوف (عباد) (٢) الأصنام عليها، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبداً لها ودعا عليه التعس والنكس فقال: "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" (٦) .

ويقول: "ومن هنا يتبين انحراف أكثر الناس عن الإيمان لانحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الإرادة.

ولا يتم الإيمان إلا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة وتجريد الإرادة عن شوائب الهوى وإرادة الخلق. فيكون علمه مقتبساً من مشكاة الوحي وإرادته لله والدار الآخرة". (٣)


(١) ثم قال بعد الآية: " قال سفيان بن عيينة: لا تأتون بمثل مشهور من للعرب إلا جئتكم به من القرآن، فقال له قائل: فأين في القرآن: أعط أخاك تمرة، فإن لم يقبل فأعطه جمرة؟ فقال: في قوله تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين. الفوائد ٧٣- ٧٤
(٢) زيادة يقتضيها السياق
(٦) المصدر السابق، ص ٧٦
(٣) .المصدر السابق، ص ٧٦

<<  <   >  >>