للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس هذا صنيع الحائر المتشكك، بل هو موقف الواثق المستيقن، وسيأتي حديثه الآخر قريبا.

٥ - وهناك من المعتزلين للفتنة من كان وضوح أمرها لديه بحيث إنه احتاط لنفسه من شرها بمجرد انفجارها، فهذا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه لما قتل عثمان رضي الله عنه خرج إلى الربذة، وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة (١) .

فقد تغرب رضي الله عنه حوالي أربعين سنة (منذ مقتل عثمان سنة ٣٥ إلى وفاته سنة ٧٤) ، ثم مات في دار الهجرة كرامة من الله له.

٦ - وممن أحجم عن الفتنة، وحدث الناس بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أبو هريرة رضي الله عنه، فقد حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكرة أنه قال: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به" (٢) .

وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة، ولمسلم عن أبي بكرة زيادة أوضح: "ألا فإذا نزلت - أو: وقعت - فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ... " (٣) الحديث.

ويتضح من هذه النصوص:

أولاً: أن الصحابة الذين اعتزلوا الفتن يعتمدون على أصل شرعي ثابت بنصوص صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها أوامر عينية في حق المخاطبين بها - وبعضها لم نذكره -.

ثانياً: أن من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم التفريق بين صحة إمامة علي وبين وجوب القتال معه، بل صحة قتاله، إذ لا يلزم من كونه إماماً حقاً أن يكون قتاله لأهل الجمل وصفين حقاً بإطلاق على ما سنبينه.


(١) الفتح (١٣/٤٠) .
(٢) المصدر السابق (١٣/٣٠) .
(٣) رقم (٢٨٨٧) .

<<  <   >  >>