اليمين والآخر ذات الشمال، وإنما هما منهج واحد في الأصل: " الخروج"، لكن بعضه أشد غلواً من بعض، وتطور الخلاف بين أصحابه في الجانب التطبيقي، ليصبح موضوعه مرتكب الكبيرة الحقيقي من الأمة، بعد أن كان عثمان وعلياً وسائر الصحابة زمن الفتنة.
وبهذا التطور الذي لم يدرك أبعاده أكثر الباحثين، آل الأمر إلى منهجين متضادين على الحقيقة، وتجاوز الخلاف بينهما حدود الوقائع التاريخية حين النشأة، ليصبح خلافاً نظرياً عاماً مؤصلاً.
وقد استوقفتني هذه الحقيقة كثيراً - أعني حقيقة أن أصل المرجئة هم الخوارج لا بطريق التضاد في الغلو بل ذاتاً وحقيقة - وليس سبب ذلك عدم ثبوتها، ولكنه عدم وضوح تعليلها الذي تبين بعد بالتتبع الدقيق لفرق الخوارج.
ومن هنا ظهرت ضرورة التوسع في دراسة إحدى الظاهرتين، لمعرفة حقيقة الأخرى.
وإذا ما أردنا الوصول إلى الحقيقة، فإن علينا أن نعرف تلك الظاهرة البارزة في تاريخ الخوارج، وهي الاختلاف والتشقق إلى أكثر من رأي عادة وفي كل قضية تقريباً، وهو ما أنتج بمجموعه ثلاثة اتجاهات كبرى في مواقف فرق الخوارج، منذ حادثة التحكيم إلى بروز منهج الإرجاء قائماً بنفسه وهي:
١ - الاتجاه الغالي المطرد في غلوه.
٢ - الاتجاه المتراجع إلى حد التساهل (نسبياً)
٣ - الاتجاه التوسطي، أو المحايد "التوقف والتبين".
والقصة التي سبق إيرادها شاهد على هذه الاتجاهات الثلاثة في المواقف، وفي تاريخ الخوارج أمثلة أخرى، يهمنا منها بالأساس قضية حكم مرتكب الكبيرة عندهم، والدار التي يعيش فيها!!
لقد اشتطت الخوارج، وغلت في النظرة لمرتكب الكبيرة (١) ، وتشعب بها الخلاف في أحكامه، حتى كثر بعض فرقها بعضاً.
لكن ليس هذا فحسب وإنما الرزية كل الرزية أن مرتكب الكبيرة عندهم ليس هو الزاني أو السارق أو الكاذب ونحوهم من عصاة الأمة، وإنما هو علي وعثمان
(١) وهي الأصل الذي انبثقت منه القضايا المنهجية الأخرى، وعلى رأسها قضية الدار كما سنرى.